صحيفة عمون : ربيحات يكتب: في ارجاء الشمال الآخاذ ..
Source: وكاله عمون الاخباريه
لشمال الاردن سحر أخاذ ....خضرة وخصب وتضاريس لا يعيك تأملها ...في الشمال كانت الاسود تربض في الغابات وترد بحرية طبريا...لاربد وجوارها كانت الصور التي جسدها ابو الطيب المتنبي حين قال : "امعفر الليث الهزبر بسوطه ..لمن ادخرت الصارم المصقولا....ورد اذا ورد البحيرة شاربا...ورد الفرات زئيره والنيلا... "...ولبلدات الشمال اطلالات جميلة على أرض الرباط فهناك السهل الممتد فوق مجرى اليرموك الذي اتخذه خالد بن الوليد ميدانا لجنوده قبيل واقعة اليرموك وهناك جبل خالد الشامخ وسط ملتقى الاودية .....في الشمال عمق الحضارة وعبق التاريخ وصدى اصوات الرجال الذين ما غابوا عن قضايا العروبة او فرطوا بمعاني الفداء...
هناك ومن بعيد ترى حجارة ديوان راشد الخزاعي وسليمان السودي وكليب الشريدة وعلي خلقي الشرايرة ومن بعيد يأتي شدو مصطفى وهبي التل وهو يجمع قرى وبلدات الاردن لينظمها في عقد اردتي غاية في الجمال ...يتغنى بثنية الكرك والطفيلة ويجملهما مع ماحص والفحيص ويعرج على ماء راحوب وراسون ..
في الشمال جمال لا يضاهى ...تشعر وانت تتجول في ارجاء البلاد بلحن ينبعث من الأعماق وصوت يصحب انفاسك وصدى انشودة تقول بلادي احب البلاد الي....يا بلادي..
اليوم قررت آن اغتنم جمال الطقس واشحن روحي بشيء من الجمال والدفء الذي يشع من جنبات شمال الاردن .. قبل ان اهم بالمغادرة تحدثت مع الصديق سمير الحياري وعرضت عليه ان يرافقني في رحلة لا مقصد لها إلا التلفع بجمال جبال واودية الشمال والتزود بقدر من جمال غطاءها النباتي وعبير ازهارها الممزوج بلطف طقس الاردن وكرم اهله.
من عمان انطلقنا دون أن نحدد مقصد بعينه فبلدنا مثل كمنجة عبدالوهاب التي قال فيها " اي سر فيك اني لست ادري ...كل ما فيك من الاسرار يغري" من دابوق الى السرو ..ومن عين الباشا نحو البقعة لنختلط بسيل المركبات الوجهة شمالا ..
على جنبات الطريق كل شي بدى اكثر بهجة الاغنام والبقر والخيول وحتى المارة كانوا افضل مزاجا فالطبيعة تترك اثرها على نفوس ابناءها وكائناتها الحية....كان الباشا سمير هادئا كعادته يستأذن ليؤدي الصلاة من على مقعده ويعود لينفش دخان السيجار الكوبي في كل الاتجاهات فلا شيء يوقفه عن التدخين الا هواية التصوير التي شحذها لتصبح فنا رفيعا يعرف متى يضغط ابهامه ليخلد اللحظة التي اعجبته.
بمحاذاة تل الرمان ومرورا من امام مدخل جامعة فيلادلفيا التي امضيت فيها سنينا ادرس مساقات الحضارات والثقافات المقارنة تحدثنا عن المصطبة والعالوك ودبين وعن الاصدقاء والسياسة والاعلام والحرب على غزة لنجد أنفسنا أمام سيل الزرقاء ...هذا الوادي الذي تتنازعه الروايات وتحرك حوله الأساطير ولا احد ممن يقطنون حوله يكترث لذلك.
صعدنا الى ضفة نهر الزرقاء الأخرى حيث يبدأ الشمال بالتعريف الشعبي وبسرعة لا اظن انها سمحت بتجاوز اي من المركبات التي أمامنا تجاوزنا ثغرة عصفور وكان علينا ان ننطلق يسارا باتجاه عجلون عبر مدخل كفرخل مرورا ببلدة صخرة ....توقفنا قليلا لالتقاط صور لمركز اصلاح قفقفا الذي تبوأ موقعا يعلو على كل ما حوله.
من كفر خل الى صخرة بدى المكان اجمل فمواجهة بلدة صخرة من هذه الزاوية يفسر سبب تسميتها ويحرضك على التوقف لالتقاط عشرات الصور للبيت التي انتظمت حول أعلى بقعة في البلدة بعشوائية مذهلة. هذه الملاحظة لم يمررها الباشا دون استثمارها فقد استأذنني بالتوقف للتصوير وطلب ان أعود بضعة أمتار للخلف لكي يدخل شجرة اللوز المكسوة ببالزهر في الصورة التي سيلتقطها للبلدة الاجمل من هذه الزاوية .
الرحلة الجميلة التي طفنا بها قرى عبين وعبلين واشتفينا وراسون وسنعار والباعونية وعرجان وصمد والمزار وبيت يافا والطيبة قابلنا فيها شبابا وتجار وقصابين واساتذة جامعات وتحاورنا حول قضايا تراثية وسياسية واجتماعية لقد تعرفنا على اشياء واماكن وممارسات واحوال ...لقد توقفت لدى احدى دكاكين بيع اللحوم التي تعرض عشرات الذبائح وسألت احد العاملين عن الأسعار فقال لي ان لديه نوع من اللحوم البلدية باربع دنانير للكيلو ..فسأله اذا كان ذلك ممكنا في ظل ارتفاع الأسعار المحموم وكيف يمكن ان يكون ذلك ..فاجأني بأن هذه الذبائح كبيرة في السن وانها تحتاج إلى طناجر ضغط والكثير من الوقت للنضج ...شكرته على النزاهة والشفافية واجراءاته الوقائية لمكافحة الفساد او الوقاية منه ....
لقد دامت رحلة اليوم الى ما بعد الغروب وأضافت لارواحنا الكثير من الفرح والطمأنينة والهدوء..ادام الله على بلدنا الخير وشكرا لرفيق الدرب الذي استأذنته لاعاد للبيت لأن اسرتي الصغيرة بانتظاري لاستكمال طقس الاحتفال بعيد ميلادي الذي يصادف في ٦ آذار.