نصف عامٍ من الحرب.. ماذا جنَت "إسرائيل"؟
Source: tayyar.org
الوطن السورية: علي عدنان إبراهيم-
مضى على الحرب في غزة 6 أشهر وبضعة أيام وهي فترة لو علم الإسرائيليون منذ البداية ما ستحمل لهم لأقدموا على خلع نتنياهو وحكومته المتطرفة قبل إطلاق أول رصاصة فيها، فماذا جَنَت إسرائيل من أطول حروبها المستمرة مع العرب؟
خاض الكيان منذ إعلان تأسيسه على الأراضي الفلسطينية قبل 75 عاماً عدداً كبيراً من الحروب والمعارك الصغيرة والكبيرة، إلا أن هذه الحرب تعتبر أطولها وأكثرها وحشية وسفكاً للدماء وأكثرها دماراً، وحتى أصعبها على إسرائيل من جميع النواحي، فعلى الرغم من أن حرب عام 1973 باغتت الكيان وقتلت منه أكثر ما قتل في حرب اليوم، إلا أنها بالنسبة والتناسب تأتي خلفها، فقبل نصف قرن هاجمت سورية ومصر الدولتان العربيتان معاً كيان الاحتلال الذي تلقى دعماً أميركياً ضخماً، أما حرب اليوم فشنها جيش الاحتلال بكل قوته على قطاع غزة البقعة الجغرافية الصغيرة المحاصرة التي تفتقد لسلاح الجو والمدرعات وتقوم فقط على شبكة الأنفاق والصواريخ والقذائف محلية الصنع، لكنها تمكنت بإدارة محترفة للمعركة من إغراق ألوية الجيش الإسرائيلي في متاهة معقدة من الكمائن، التي قتلت منه حسب آخر الإحصائيات الرسمية الإسرائيلية 260 جندياً من إجمالي 600 جندي قتلوا منذ بدء عملية طوفان الأقصى على مختلف الجبهات، وتسببت بإصابات خطرة لنحو 1600 جندي من 3200 جندي أصيبوا أيضاً على مختلف الجبهات، حتى تم الإعلان خلال الساعات الماضية عن سحب معظم قوات الاحتلال من غزة والإبقاء فقط على لواء ناحال لترسيخ الفصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، من دون تحقيق أهم الأهداف التي شنت الحرب من أجلها وهي تفكيك فصائل المقاومة والقبض على قادتها، ووقف إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات بشكل نهائي، واستعادة الأسرى.
فشل الجيش الإسرائيلي بتحقيق أهدافه الأساسية رغم تدميره مدن القطاع بشكل كامل وقتله وجرحه أكثر من 100 ألف فلسطيني وتشريده أكثر من مليون منهم، كما أخفق هذه المرة في ترويج ادعاءاته وخسر حرب الصورة بشكل كامل وامتهن التعتيم الإعلامي على خسائره وخاصة في جبهة الشمال، ما أفقده ثقة المستوطنين وحتى ثقة الداعمين الذين بدؤوا بالضغط لوقف الحرب قبل جرهم لخسائر أكبر على الصعيدين المادي والمعنوي أمام مواطنيهم، كذلك خسر الكيان تأييد الرأي العام العالمي وواجه للمرة الأولى رفضاً من شعوب الدول الأوروبية والولايات المتحدة للإبادة الجماعية التي يرتكبها في غزة، حيث أظهر أحدث استطلاع للرأي في الولايات المتحدة، أجراه "مركز بيو للأبحاث" رفض 50 بالمئة من الشباب الأميركي لما تقوم به إسرائيل مقابل 20 بالمئة رأوا أنه أمر مقبول، ما دفع بالرئيس الأميركي جو بايدن أخيراً لإعلان دعمه وقف الحرب ومطالبته إسرائيل بتحسين الأوضاع الإنسانية في غزة، مهدداً رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بجعل الدعم الأميركي لإسرائيل مرهوناً بخطوات ملموسة في هذا الاتجاه، كذلك إقرار كبير الديمقراطيين بلجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي آدم سميث بأن إسرائيل اتبعت نهجاً عدوانياً للغاية منذ 7 تشرين الأول، أما على صعيد القارة الأوروبية فإلى جانب الإعلان الرسمي الإسباني نيته الاعتراف بدولة فلسطين قريباً، دعا رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، بشكل حازم إلى وقف فوري للقتال في غزة ووقف إطلاق نار مستدام وطويل الأمد.
خسارة الحلفاء أو تأييدهم على الأقل من الجانب الإسرائيلي، قابله اندماج لم تعرفه إسرائيل من قبل لجبهات القتال ضدها، فهي اختبرت في هذه الحرب تنسيقاً لم تعرفه من قبل، واستمرار حربها طوال 6 أشهر جعل هذا التنسيق أكثر قوة وتأثيراً، من اليمن إلى غزة والضفة وجنوب لبنان وحتى العراق، مشكّلة في وجهها قوة خفيفة الظل سريعة الحركة وعظيمة التأثير، وهذا ما عرف بتوحيد الساحات.
كما باتت إسرائيل طرفاً متهماً بقوة في محكمة العدل الدولية، حيث طالبت كولومبيا مؤخراً بالانضمام إلى الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا التي تتهم الكيان بارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وبات واضحاً للعالم أجمع أن إسرائيل لا تلتزم بقرارات المحكمة الدولية التي منحت حكومة نتنياهو شهراً لتنفيذ مجموعة إجراءات لم ينفذ منها أي بند.
وفيما يخص الجبهة الداخلية، حصدت سلطات الاحتلال المزيد والمزيد من الكارهين والمطالبين بإسقاط حكومة نتنياهو فوراً وعقد اتفاق لوقف الحرب وتبادل الأسرى وإجراء انتخابات مبكرة وربما القضاء على مستقبل نتنياهو السياسي وعلى تاريخه أيضاً ومحاسبته على ما أوقع إسرائيل برمتها فيه، إضافة للخسائر الاقتصادية الهائلة التي لم يعرفها كيان الاحتلال من قبل حسب البيانات التي أصدرها البنك الإسرائيلي مؤخراً، والتي تشير إلى خسائر بقيمة 70 مليار دولار أميركي من جبهة غزة وحدها، من دون حساب ما تعرض له الكيان من خسائر جراء جبهة الشمال المشتعلة مع حزب الله.
ويمكن القول: إن إسرائيل ستنجو من هذه الحرب فقط إن تم التوصل إلى اتفاق في القاهرة حيث يجتمع مسؤولون من الولايات المتحدة وقطر ومصر ومن الفصائل الفلسطينية وكيان الاحتلال للبحث عن حل ينهي الحرب، وحينها فقط ستتوقف سلسلة خسائرها البشرية والمادية والمعنوية.