أسئلة صعبة تواجه جلسة مجلس النواب الليبي حول ميزانية حكومته | الحبيب الأسود | صحيفة العرب
Source: صحيفة العرب
Author: Al Arab العرب
بنغازي (ليبيا) - ينظر مجلس النواب الليبي الاثنين (غدا) في مشروع ميزانية العام 2024 التي تقدمت بها الحكومة المنبثقة عنه، وذلك في ظل جملة من الأسئلة المطروحة بحدة حول ملفات سياسية ومالية واقتصادية متصلة بالأزمة التي تعيشها البلاد منذ 13 عاما دون مؤشرات جدية عن وجود حلول خلال المستقبل القريب.
وقد وجه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح دعوة لأعضاء المجلس لعقد جلسة رسمية يوم الاثنين المقبل في مقر المجلس بمدينة بنغازي، وقال في دعوته إنه سيتم خلال الجلسة مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام 2024 المقدم من الحكومة الليبية.
وستكون الجلسة المنتظرة الأولى من نوعها التي يعقدها المجلس منذ استقالة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي من منصبه في السابع عشر من أبريل الجاري، وفي سياقات سياسية متعددة من بينها الإعلان عن تلقي رئاسة البرلمان لعدد من ملفات المترشحين لمنصب رئيس الحكومة الموحدة.
وفي يناير الماضي، أحال أسامة حماد مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2024 إلى رئيس المجلس عقيلة صالح، وذلك للاطلاع عليه وعرضه على أعضاء المجلس.
وفي الثامن من أبريل الجاري، دعا حماد رئيس وأعضاء البرلمان إلى التعجيل باعتماد الموازنة العامة للدولة لسنة 2024 مع تفويض حكومته دون غيرها بتنفيذها.
وتطرق حماد في خطاب وجهه إلى رئيس وأعضاء مجلس النواب الى ما وصفها بـ"المخالفات" التي ارتكبتها "حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة" برئاسة عبدالحميد الدبيبة، مشيرا إلى أن عدم إصدار مجلس النواب قانونا باعتماد الموازنة العامة للدولة للعام 2024 فتح الباب أمام حكومة الدبيبة "بالاستمرار في صرف العديد من أوجه النفقات العامة على نحو مخالف للتشريعات والنظم المالية للدولة".
واتهم حماد حكومة الدبيبة "باحتكار إدارة منظومة الرواتب وتوظيفها وفقا لأهوائها السياسية"، منددا بـ"حجبها صرف رواتب العاملين بهيئة الزكاة بالمنطقة الجنوبية، وإصدارها لحوالة رواتب العاملين بهيئة الأوقاف بالمنطقة الشرقية والجنوبية بالعجز".
كما اتهم حكومة الدبيبة "بوقف صرف مستحقات الدعم لشركات الخدمات العامة بالمنطقتين الشرقية والجنوبية لمدة تزيد على ستة أشهر"، فضلا عن "عدم صرفها العجز في الرواتب المستحقة لمنتسبي القوات المسلحة التابعة للقيادة العامة، وذلك بناء على الموقف السياسي لهذه الجهات".
وأكد حماد على ضرورة أن يبادر رئيس وأعضاء مجلس النواب بتحرك سريع لوضع حد للممارسات الخاطئة والتلاعب بحقوق المواطنين.
وفي فبراير الماضي، دعا محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير إلى ميزانية وطنية موحدة في تحدٍ واضح لحليفه السابق رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة وسط تراجع قيمة الدينار الليبي، وشدد على ضرورة إنهاء ما وصفه بالإنفاق الموازي "المجهول المصدر" حفاظا على الاستدامة المالية للدولة.
وتساءل الصديق الكبير عن كيفية زيادة المرتبات والمنح التي أعلن عنها رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة في احتفالات 17 فبراير، خصوصا في ظل تراجع حجم الإيرادات المتوقعة للعام 2024 إلى مستوى 115 مليار دينار.
وقال الكبير في خطاب بعث به إلى الدبيبة إن "التوسع في الإنفاق قد يرضي بعض الفئات على المدى القصير ولكنه يتنافى مع مبادئ الاستدامة المالية وضمان حقوق الأجيال المقبلة، وهو ما تتطلبه الإدارة الرشيدة للمال العام"، مضيفا "لا نختلف معكم في أن حق الليبيين أن يحيوا حياة كريمة وأن يحصلوا على مرتبات تكفل عيشا كريما، لكن ذلك لا يتحقق إلا بحسن إدارة الموارد المالية مع ضمان استدامة تلك الحياة الكريمة، ولا يخفى عليكم أن النفط هو المصدر الوحيد للدخل في الدولة الليبية والذي يمول الميزانية العامة بأكثر من 95 في المئة".
ويعتمد مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية منذ العام 2021 قرارا بالإذن لوزارة المالية بفتح اعتمادات شهرية مؤقتة على أساس جزء من اثني عشر (1/12) بسبب فشله في الحصول على تصديق من مجلس النواب على مشاريع الميزانية التي كان قد قدمها منذ ذلك التاريخ.
وبحسب قانون النظام المالي للدولة ولائحة الميزانية، يجوز لرئيس الحكومة في حال عدم إقرار الميزانية قبل بداية السنة المالية، فتح اعتمادات شهرية مؤقتة على أساس واحد من اثني عشر (1/12) من اعتمادات السنة السابقة. وهو ما يعني تطبيق أذون صرف وفق الترتيبات المالية للعام السابق.
ويقدر إجمالي نفقات الميزانية المقترحة المقدمة من حكومة البرلمان بـ90 مليارا و518 مليونًا و894 ألفًا و397 د ينارا (حوالي 19 مليار دولار أميركي) ، فيما كانت لجنة إعادة الموازنة العامة للدولة بالحكومة المكلفة من البرلمان عملت على إعادة هيكلتها، بالإضافة إلى بحث الدين العام، مع الأخذ في الاعتبار دخل النفط وأسعاره في الأسواق العالمية، وبحث عملية تحصيل إيرادات الدولة، وفق الحكومة.
وأكد حماد على قيام مجلس الوزراء بإحالة الموازنة العامة لمجلس النواب لمصادقتها، مشددا على ضرورة أن تكون الميزانية تقشفية لهذا العام، بحسب الحكومة، مشيرا إلى قيام الحكومة المكلفة بالتنسيق مع لجنة إعادة الإعمار والاستقرار وصندوق إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة، بتنفيذ عدد من المشاريع المتمثلة في صيانة وتطوير الطرق، وعمارات الإسكان العام، والمقرات الحكومية وغير الحكومية، وإنشاء الجسور.
وفي مناسبات عدة، اتهمت حكومة مجلس النواب حكومة الدبيبة، بـ"المسؤولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد"، وحمّلتها "مسؤولية تردي الوضع بممارساتها الخاطئة"، كما طالبت الجهات المحاسبية والقضائية بالتحقيق.
وقال رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب عيسى العريبي إن مجلس النواب سيعدل الميزانية العامة للدولة إذا قدمت حكومة حماد مقترحا بشأن رفع الدعم عن المحروقات، مشددا على ضرورة إجراء دراسة عميقة قبل اتخاذ مثل هذا القرار. وتابع "إذا قدمت الحكومة التي يعترف بها مجلس النواب مقترحا بهذا الشأن، فالمجلس سيعدل في الميزانية بحيث يراعي ذوي الدخل المحدود، ولنا في ذلك تجربة رفع الدعم عن السلع التموينية دون دفع البديل المالي للمواطن، مما زاد العبء على كاهل المواطن البسيط"، مبرزا أن رفع الدعم عن المحروقات "تقرره الميزانية العامة التي يقرها مجلس النواب"، منبها إلى أن اتخاذ القرار في هذا الشأن "دون دراسة عميقة سيؤثر على المواطن البسيط، خاصة في أمور النقل بشكل عام، وبالتالي سيساهم في ارتفاع الأسعار".
وبحسب مراقبين، فإن جلسة البرلمان حول ميزانية حكومته، ستشهد سجالا حادا حول جملة من الملفات المتعلقة بالأزمة المالية، ومنها القرار الصادر عن رئاسة مجلس النواب في منتصف مارس الماضي، المتعلق بفرض "ضريبة" على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية بقيمة 27 في المئة حتى نهاية العام 2024، وذلك تنفيذا لمقترح من محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، بتعديل سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، وفرض رسم بـ27 في المئة على النقد الأجنبي، متوقعًا أن يتراوح سعر الصرف بين 5.95 و6.15 دينار للدولار الواحد بعد فرض الرسم لجميع الأغراض باستثناء القطاعات التي تموّل من الخزانة العامة ذات الطابع السيادي والخدمي فقط.
وطالب 29 عضوا في مجلس النواب بسحب القرار، واصفين إياه بـ"المجحف" بحق المواطن البسيط، وأنه "غير مدروس"، ومؤكدين أن القرار تجاوز صلاحيات رئيس مجلس النواب المخولة له وفق القانون رقم 4 لسنة 2014 بشأن اللائحة الداخلية للمجلس، فيما أصدرت الدوائر الإدارية بمحاكم الاستئناف في طرابلس ومصراتة وبنغازي بوقف مؤقت لتنفيذ القرار المثير للجدل .
وينتظر أن تواجه جلسة الاثنين الكثير من الأسئلة الصعبة، وأهمها يتعلق بالرسائل التي يمكن أن يوجهها المجلس بالتصديق على ميزانية حكومته بالتزامن مع تلقيه ملفات المترشحين لتشكيل حكومة واحدة ومصغرة تقتصر مهامها الأساسية على توفير الظروف الملائمة لتنظيم الانتخابات.
وتعتقد أوساط ليبية أن جلسة الاثنين ستكون مقدمة مهمة للمرحلة القادمة انطلاقا من النقاش الذي سيتمحور حول الأزمة المالية وحول مصادر التمويل وأذون الصرف وتباين المواقف والبرامج بين سلطات شرق البلاد وغربها، وكذلك عن موقف مصرف ليبيا المركزي في ظل احتدام الصراع بين محافظه الصديق الكبير وبين الدبيبة ومدى تأثره بالمؤشرات البارزة مؤخرا بخصوص اتساع النفوذ الأميركي في المنطقة الغربية ومدى علاقته بسلطات طرابلس.