Stay on this page and when the timer ends, click 'Continue' to proceed.

Continue in 17 seconds

هل اقتربت الحرب الإقليمية؟

هل اقتربت الحرب الإقليمية؟

Source: العربي الجديد

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية - الإفريقية".

يشي سياق الحرب الإسرائيلية على غزّة بأن التطورات وصلت إلى منعطف مفصلي، في ظل عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على الحسم وتحقيق الأهداف التي أُعلن عنها، إذ شيئا فشيئا يتكشّف لإسرائيل انها تطارد السراب، فلا تفكيك حركة حماس ممكن، نظرا إلى مرونة هياكلها وانخراطها ضمن حواضنها الاجتماعية، ولا إعادة الأسرى، بالأدوات والوسائل التي يتم استخدامها، محتملة وممكنة. هذا ما يجعل المخارج معقّدة إلى أبعد الحدود، ويجعل خيارات فريق إدارة الحرب الإسرائيلي صعبة، ذلك أنهم لم يضعوا، منذ البداية، استراتيجية خروج عملانية، بل على العكس شيّدوا واقعا يستحيل الخروج منه إلا بهزيمة كبرى، وقد كان لتركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية دور كبير في الوصول إلى هذا المأزق، انطلاقا من حقيقة أنها جمعت كل أتباع التطرّف في إسرائيل والذين تحركهم الأساطير ولا يتقنون وضع الاستراتيجيات العملانية والتكتيكات المناسبة ولا إدارة التفاوض.

وعند هذا المعطى، يجب عدم الركون للتقديرات بأن إسرائيل المنهكة والمستنزفة في غزّة لن تذهب باتجاه توسيع بيكار الحرب في المنطقة. على العكس، كان يمكن أن تكون إسرائيل أكثر تعقلا وأقل تهوّرا لو حققت نصرا حاسما في غزّة، لو أنجزت الأهداف التي رفعتها حكومة نتنياهو، ليس فقط ليقول نتنياهو إنه حقّق ما وعد به، ولكن ذلك سيكون في التقييم الإسرائيلي عنصرا مهما في قراءة البيئة الاستراتيجية، بعد إزاحة فاعل مؤثّر من حسابات الصراع الإسرائيلية، وانعكاس هذا الأمر على وزن إسرائيل في الواقع الإقليمي.

وثمّة عنصر آخر، سيكون دافعا لتصرّفات إسرائيل المتهورة في المرحلة القادمة، يتعلق بالحوامل الاجتماعية لمنظومة الحكم الإسرائيلية الحالية، فالمتطرفون في إسرائيل هم أصحاب الكفة الأثقل في الميزان السياسي، وهم لم يصلوا إلى هذه المرحلة الا بعد نضال وعمل دؤوب لسنوات طويلة، استطاعوا خلالها هزيمة التيارات العلمانية واليسارية ودفعها إلى الانكفاء، وهؤلاء لن يقبلوا بهزيمةٍ مدوّية تسمح بعودة تلك التيارات، وتراجع فعاليّتهم وتأثيرهم في صنع السياسة وتشكيل توجهات إسرائيل في المرحلة المقبلة، وهؤلاء أصبح لهم ثقلا موازيا في أغلب قطاعات الحياة الإسرائيلية من التعليم والثقافة والاقتصاد وغيرها.

تبدو جبهة جنوب لبنان المرشّحة الأقوى للحرب الإقليمية

تبعا لذلك، باتت الحرب الإقليمية مجرّد تحصيل حاصل، فالحرب في غزة وصلت إلى نهايتها الفعلية، لم يعد لدى الجيش الإسرائيلي حتى بنك أهداف، وحتى قتل سكان غزّة إذا كان الهدف منه دفعهم إلى الخروج من القطاع بات هدفا غير عملي، وبالتالي لا يستحقّ ما يُصرف عليه من ذخائر وأسلحة ستحتاجها إسرائيل في المرحلة المقبلة، والمؤكد أن إسرائيل ستضطر مرغمة للبحث عن صيغة في غزّة، لكن في ظل أزمة إقليمية أكبر تستطيع من خلالها حكومة نتنياهو تبرير توقف الحرب أو تجميد فعاليتها إلى حد كبير.

والواقع أن تصريحات قادة إسرائيل أخيرا، وزعم جنرالاتها أنهم يواجهون سبع جبهات، وكذلك تأكيد قائد الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي أن قواته على جهوزية عالية في الشمال ومستعدّة للهجوم إذا تطلب الأمر، وإقراره بالموافقة على خطط وضعها مجلس الحرب المصغّر، بالإضافة إلى تأكيد السفيرة الأميركية في العراق، بعد استهداف القوات الأميركية مقرّات مليشيات الحشد الشعبي في الحلة، جنوب بغداد، أن هذه القوات ستضرب بقوة كل من يستهدف مصالح بلادها وأمن موظفيها، لهي مؤشّرات ساطعة إلى مسارات الحرب في المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى وضع الإقليم بالكامل تحت مجهر المراقبة الأميركية والإسرائيلية، والإصرار على استمرار إخراج مطارات نظام الأسد من الخدمة وقتل قيادات مؤثرة بحجم رضي موسوي الذي يعتبر الدينامو المحرّك للفعالية الإيرانية في جبهات المشرق، هي أيضا مؤشرات إلى أسلوب تجهيز البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل للحرب.

احتمال عال، تكشف عنه التطورات، بتوسيع الحرب الإسرائيلية صوب الشمال قريباً

تبدو جبهة جنوب لبنان المرشّحة الأقوى للحرب الإقليمية، وقد منعت واشنطن حتى اللحظة نقل إسرائيل الحرب إلى هذه الجبهة لاعتبارات وحسابات أمنية تتعلق بأمن قواتها في العراق وسورية والخوف من حدوث فوضى في البحر الأحمر والخليج العربي، لكن من الواضح أن أميركا أقامت في الأيام الأخيرة ترتيبات لوجستية في هاتين المنطقتين وتأمين شبكات حماية لمصالحها وقواتها تسمح للقادة العسكريين الأميركيين الخوض في خيارات لم يكن ممكنا الخوض فيها قبل فترة، ويجب الأخذ في الاعتبار حقيقة أن القيادات العسكرية الأميركية استثمرت الفترة الطويلة نسبيا للحرب في غزّة والتفاعلات التي جرت على هامشها في الإقليم لعمل تقدير موقف عسكري للتعامل مع المخاطر وقراءة أوضاع الفاعلين في المنطقة.

لكن، ما هي حدود الحرب الإقليمية في حال اشتعالها، هل مزيد من التدمير والقتل، وخصوصا أن واشنطن ستظهر بشكل صريح بوصفها فاعلا أساسيا فيها؟ كانت إسرائيل في بداية الحرب قد هدّدت إيران بتغيير المعطيات في سورية ولبنان، أي باختصار ستعمد إلى تدمير هياكل السلطة في البلدين، وخصوصا في سورية، ما سيؤثر بالقطع على النفوذ الإيراني برمّته ويغيّر توجهات البلدين نهائيا.

يبقى أنه في الحروب لا يمكن الجزم بطبيعة المسارات المقبلة، لكن ثمة احتمالاً عالياً، تكشف عنه التطورات، بتوسيع الحرب الإسرائيلية صوب الشمال في فترة قريبة، إذا لم تحدث مفاجأة في حرب غزّة تلجم الحكومة المتطرّفة عن خوض حرب واسعة.